الخميس، 5 أكتوبر 2017

" صلاة لم تنفعنا " 2

- تلك غرفتى الجميلة , ذات الحوائط البيضاء التى لطالما أشعرتنى بنقاء لون الجنة ,, أما سلمى فتراها بلون القبور ,
على كلٍ ,,,
صباح الخير أنا سليمى رزق , وكعادة من يستمع لاسمى يظن أن " رزق " هو اسم أبى ,,,
وكعادتى أخبرهم آسفة أنه ليس كذلك !
فسليمى رزق هو اسمى حيث أقرن أبى اسمى بصفة " رزق " , فهو دوماً كان يرانى رزقه ونعمته من الله , ولذا انتقلت تلك العادة على ألسنة عائلتى وأصدقائى فأصبحت دائما " سليمى رزق " !!!
أما عن تلك الشيطانة الجميلة التى تشبهنى , فإنى حقا أحبها كثيرا , هى وجدتى فقط أخر من تبقى من عائلتى بالإضافة أنها تدهشنى كثيرا بحكاياتها المسلية وعفويتها التى تعجبنى كثيرا كثيرا ,
جميلتى سلمى واضحة للغاية ؛ حين تحب شىء فإن الكون كله يسعد كثيراً بصوت ضحكاتها المرتفعة , وإن أغضبها شىء كذكر أبى -رحمه الله- بالخير مثلاً , فحينها يعلم الكون أن الحرب العالمية الثالثة قد قامت فى منزلنا !!!
سلمى منذ توفى أبى كان لديها عادة غريبة مسلية ؛ كأن تستيقظ كل ليلة فى منتصف الليل تكتب ماتشعر به (وكعادتها تسبنى فى كافة دفاترها) :)
 تسألنى الآن كيف علمت أنا بهذا ؟
حسناً . لقد كنت أحياناً أتصنع النوم كى تطمئن أننى نائمة فتنطق ما تكتب , وكانت كثيرا ما تسبنى وتلعننى وتكره أننى توأمها المتطابق ,
ما الذى كنت أشعر به حين أستمع لذلك ؟
لا شىء . لاشىء حقاً غير أننى كنت أجد متعة كبيرة فى معرفة ما بداخل تلك الشقية ^^

- ذات ليلة استيقظت باكرا وحدى , فقررت أن أقتبس منها تلك العادة , ولم أدرى إلى الآن لمَ فتاة مثلى تكتب شيئا تافها قصيرا للغاية كهذا ولكننى كتبت حينها ؛
" أحب حقاً أن أكون سلمى "

......

بعد مرور 7 أعوام ,
.....
صباح الخير , أجل إنه صباح فى الحارات المجاورة , صوت بائع البطاطا ينادى كعادته , صوت ضجيج الشوارع بأطفال المدارس , صوت العصافير التى لا تخطىء يوماً نور الصباح ,
صوت جارتى العجوز التى نشرب معا كل صباح قهوتنا , ونتحدث معاً عن الوحدة والمرض ومن سيشترى لنا الخبز والدواء حين لا يتحملنا الأحفاد ويُخضِع العمر أجسادنا كما أخضع تجاعيد وجوهنا ؛
لكن تلك الجارة العجوز هذا الصباح مختلفة قليلا , صوتها هنا , لكنها لا تحادثنى , ولا تحتسى معى القهوة , إنها الآن تبكى ...
أنا أدرك جيداً أنه صباح مختلف , فهو يرتدى ثوب ليل بلا نجوم فى منزلنا الصغير !
- أجل . أجل . أجل أنا الجدة ...
أنا الآن بصحة جيدة لا تقلقوا , فقط ألتف فى ثوب أبيض لطالما توجزت منه خيفةً لكننى الآن أراه واسع ومريح للغاية ,
يقولون حولى أننى الآن قد حدث . وأصبحت ميتة !!!
ليس لدى وقت لأسرد الكثير , لكن الفترة الأخيرة كنت سعيدة للغاية , كنت أرى حفيداتى الجميلات سلمى وسليمى قد نضجتا كثيرا وأصبحتا أقرب فى الروح وليس فقط فى الشكل ,
سلمى لم تعد تغضب منى حين أخطىء وأناديها بسليمى , وسليمى لم تعد تسرق مجددا شيئا من خزائن سلمى ,
فى تلك الفترة انشغلت سلمى بكتاباتها وانشغلت سليمى بكاتبها الصحفى المفضل ...

أما عن ذلك اليوم ؛
لم يحدث شىء مختلف عن كل ليلة فقد أستيقظت فجراً أصلى وأدعو , واستيقظت سلمى ونظرت إلىَّ وأنا أصلى , ثم أتت وعانقتنى وذهبت وقبلت أختها النائمة , وذهبت للشرفة تكتب كعادتها كل صباح ,
وحين استيقظت سليمى كنت أخبرها كم أنا سعيدة بشفاء أختها من داء الكره الذى أعتاد أن يسكنها بالماضى . فكم أصبحت حنونة ومتفهمة وتحب سليمى كثيرا ,
قابلتنى سليمى بوجه مبتسم وأعين غاضبة دامعة ,
وقالت : " بل كانت سلمى تعرفنى جيداً حينها , والآن لأنى أصبحت أجيد إخفاء قلبى ؛ أصبحت سلمى تحبنى يا جدتى "
فقلت : كيف ؟
قالت : هكذا وحسب !
تسالنى إن كنت قد رأيت سليمى بهذا الوجه من قبل ؟
حسناً . لقد ارتجف قلبى حينها ولكن قليلا , فأنا أعرف قلب صغيرتى سليمى الدافىء , من المؤكد أن هناك ما يشغلها ولكنها لا تقصد شيئا سيئا أنا أعلم هذا جيدا ...
لا اتذكر ما حدث بعدها بدقائق , ولا اتذكر من منهما التى رأيتها فى لحظتى الأخيرة , ولا أتذكر كيف أنتهى بى الحال هكذا ... ميتة !
حقيقة ؛
لا أريد أن يذكر أحد شيئا مما حدث . لا ترهقوا أنفسكم بمعرفة سر موتى فأنا عجوز كان الموت سيأتيها على أى حال ,
فقط سأرحل بسلام ..
ويكفينى أننى الآن مغمضة العينين ولكننى أشعر بسلمى وسليمى واقفتان هناك , ممسكتان يد إحداهما الأخرى ,
فلقد تقبل الله صلاتى ..........
                               


                                                             ... يتبع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق